ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

فاقِدُ الْبَصيرَةِ فاسِدُ النَّظَرِ

11:38 - March 22, 2024
رمز الخبر: 3495041
بيروت ـ إکنا: إن البصيرة شعور ربّاني غامِض، وإدراك باطني، وموهبة إلهيّة تحصل لدى الشخص بفعل مَعنوي، وتوفيق رباني، ومَدَد غيبي، وتتطوّر بالعلم والمعرفة، والتَفَكُّر والتَّعقُّل، والمثابرة العلمية والعملية.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "فاقِدُ الْبَصيرَةِ فاسِدُ النَّظَرِ"
 
البصيرة. تكرَّرت هذه الكلمة كثيراً في الآونة الأخيرة، حتى صارت مفردة لازمة على ألسنة فئة من الناس المخلصين المضحين الذين يواجهون أعتى قِوى الشَّر في العالم، وكان بعض آخر من أدوات تلك القوى الظالمة الغاشمة يتهكَّمون على هذه المفردة وعلى المرددين لها، وتهكّمهم عليها كمن يتهكّم على الشمس أنها تضيء العالم، وعلى القمر أنه يضيء ليالي الأرض، ومن يصل إلى هذا اللَّون من التفكير فهو بلا شك ينحدر إلى درك لن يمكنه الخروج منه.

والبصيرة ليست كلمة تُقال، إنما هي قوة روحية وطاقة معرفية تقف وراء الفلاح والانتصار، إذ لا يمكن تجاوز عقبات الضلال والضياع، ومواجهة التشويش والتلبيس، والثبات أمام الأكاذيب والنفاق، والخُدَع الفكرية والسياسية، والتمييز بين الحق والباطل، وبين أهل الحق وأهل الباطل إلا بها، البصيرة قوة إدراك، وفِطنةٌ، وعِلم وخِبرة، وحُجَّة، وبُرهان، ويقين، وتحقّق، ودراية، ووَعيٌّ نافذ، وهي أعلى درجات العلم، ولذلك يقال للمُحقِّق في العلوم: ذو بصيرة ونظر.

والبصيرة هي العلم الذي ينير القلب، والقوة التي تُدرَك بها المعقولات، وتُحَصَّل بها المعرفة، البصيرة هي روح العقل، وهي للقلب كالضياء للبصر، إنها البَيِّنة الواضحة، والوَعي النافذ، والرؤية الثاقبة التي تتخطّى ظاهر الأمور يفهم بواطنها وحقائقها وخلفياته وأسبابها ومناشئها، لأن الظاهر قد لا يعكس الحقائق في الكثير من الأمور، بل غالباً ما يكون مخالفاً لها، خصوصا عند أهل النفاق والشقاق الذي استمرأوا الكذب والدّجل، واعتادوا الإفك والاختلاق، وأجادوا تزيين الباطل بشعارات برَّاقة جَذَّابة، وإعلام وإعلان مخادع، يخدع القلوب والعقول، ولذلك فإن البصيرة الهداية الكبرى التي لا يضِلُّ المرء معها، لأنها الآلة التي يميز بها بين الحق والباطل، وبين ما يجب وما لا يجب.
 
البصيرة شعور ربّاني غامِض، وإدراك باطني، وموهبة إلهيّة تحصل لدى الشخص بفعل مَعنوي، وتوفيق رباني، ومَدَد غيبي، وتتطوّر بالعلم والمعرفة، والتَفَكُّر والتَّعقُّل، والمثابرة العلمية والعملية، وتهذيب النفس، والتقوى، والإخلاص، والزُّهد، وتوطيد العلاقة بالله، وذكره، وقراءة كتابه، ووعي ما جاء به رسوله الأكرم (ص) واعتماد منهجه ومنهج أهل بيته الأئمة الأطهار (ع).

وينتج عن قوة البصيرة قُوَّة الشخصية، واكتساب الثقة في النفس، والطمأنينة، وانشراح الصدر، وتصحيح النية، والابتعاد عن الحَمية الجاهلية، والعصبية، والحِزبية، وعدم التأثُّر بالعاطفة المُؤقتة، والاندفاع الغير محسوب، والتصرُّف العشوائي المضطرب، وتجعل الشخص ينظر في الواقع من خلال النور الذي يقذفه الله سبحانه في قلبه، وتعصمه من الزَّلَل.

والذي يمتلك البصيرة، هو ذاك الإنسان العاقل الذَّكي النَّبيه الذي يَعي الواقع ويدركُه ويَعرِف الناس من حوله، ولديه القدرة على التمييز بينهم، ومعرفة خلفياتهم ومنطلقاتهم وأهدافهم وأساليبهم، ويعرف كيف يتعامل معهم، ومتى يقبل منهم ومتى يرفض، ويملك رؤية شمولية للأمور، ورؤية علمية وعملية مستقبلية، ويتحرَّك في دُنياه وآخرته على ضوء الرؤية الصحيحة والفَهم العميق باتجاه تأمين مصالحه المادية والمعنوية، وبهذا يكون تحركه مستقيماً لا اعوجاج فيه، وتكون غايته واضحة لا ضياع فيها، لا يخطو خطوة إلا بعلم ومعرفة، وكل خطوة تكون منه تقرِّبه إلى هدفه، ولهذا فهو جدير بالفوز والفلاح، عكس الذي يفتقر إلى البصيرة فإنه يخبِط خبط عشواء لا يعرف الواقع ولا يفهم بواطن الأمور، ولا يهتدي لسبيل، كل خطوة تكون منه تُبَعِّده عن هدفه، ولَنِعمَ ما قال الإمام أمير المؤمنين (ع) في هذا المجال: "الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، لَا يَزِيدُه سرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْداً".
 
إن مراجعة سريعة لتاريخ الصراع بين الحق والباطل في منطقتنا من خمسين سنة إلى يومنا هذا تجعلنا نخرج بنتيجة قاطعة أن الذين امتلكوا البصيرة ما زالوا يتقدّمون بخُطىً ثابتة نحو أهدافهم، على الرغم من الضغوط الهائلة التي تواجههم، وعلى الرغم من أنهم يُواجهون أعتى قوة عُظمى في التاريخ، ويحقِّقون الإنجاز تلو الإنجاز، أما أولئك الذي عَمِيَت بصائرهم ففي ضَياع مُستمر، ينتقلون من إخفاق إلى آخر مع شروق الشمس وغروبها.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha